مقالة بعنوان:
الذكاء الاصطناعي وتاثيره على تطوير الإحصاءات الرسمية
بقلم: هايدى سامي محمد
الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء
E-mail:haidy_s@capmas.gov.eg
تلعب الإحصاءات الرسمية دوراً حيوياً في صنع السياسات وتوجيه اتخاذ القرارات على المستوى الحكومي والمؤسسي، وفي ظل عالم سريع التغير تُعد ثورة المعرفة الأداة المثالية للتنبؤ بالاحتياجات المستقبلية ودفع المجتمعات إلى الأمام، إذ أصبح الذكاء الاصطناعي قوة استراتيجية للعديد من الحكومات حول العالم، والذي ظهر لأول مرة في عام 1956 في الولايات المتحدة الأمريكية، وعُرف بأنه الذكاء الذي تبديه الآلات والبرامج الحاسوبية بما يحاكي القدرات الذهنية البشرية، ومع التطورات السريعة في مجال الذكاء الاصطناعي، أصبح من الممكن الاستفادة من هذه التقنيات المتقدمة في تحسين جودة البيانات الإحصائية وكفاءة عمليات جمعها، وتحليلها، وتفسيرها، وتقديمها للمستخدمين النهائيين، وفي هذه المقالة سنستعرض مايلي:
أولاً: بعض الطرق الرئيسية التي يساهم بها الذكاء الاصطناعي في تطوير الإحصاءات الرسمية.
ثانياً: سنلقي الضوء على أهم التحديات الرئيسية التي تواجه الأجهزة الإحصائية في استخدام الذكاء الاصطناعي.
ثالثاً: سنتناول موضوعاً في غاية الأهمية وهو التعرف على ما هي متطلبات المرحلة الجديدة في تطوير جودة الإحصاءات الرسمية من خلال تطبيق التقنيات الحديثة، من هنا يتبادر للذهن العديد من التساؤلات عن:
أولاً: كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد على تحسين وتطوير جودة الإحصاءات الرسمية:
بشكل عام، هناك عدة طرق يُمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في توفير الوقت والجهد في جمع البيانات للإحصاءات الرسمية من خلال استخراج البيانات من مصادر غير تقليدية وبطرق أتوماتيكية، حيث يستطيع الذكاء الاصطناعي استخدام تقنيات معالجة اللغة الطبيعية لاستخراج البيانات من النصوص والوثائق غير المنظمة، كذلك إمكانية جمع البيانات من الصور والفيديوهات دون الحاجة للتدخل البشري، علاوة على ذلك، يمكن ربط أجهزة الاستشعار والأجهزة المتصلة بالإنترنت لجمع البيانات بشكل مستمر وفوري، مما يسهّل عملية إعداد الإحصاءات الرسمية.
أيضاً لا تقتصر مساهمة الذكاء الاصطناعي على جمع البيانات فحسب، بل يمكنه أيضاً تحسين عمليات تنظيف وتحليل البيانات، وذلك من خلال استخدام خوارزميات التعلم الآلي يمكن اكتشاف الأخطاء والتناقضات في البيانات وتصحيحها بشكل سريع وموثوق، كما يمكّن للذكاء الاصطناعي من الكشف عن الأنماط والترابطات المعقدة في البيانات بسرعة وكفاءة أكبر من الطرق التقليدية، هذا بالإضافة إلى إمكانية بناء نماذج تنبؤية متقدمة لتحليل البيانات واستخراج النتائج بكفاءة أعلى.
كما يمكنه تطوير أدوات تفاعلية لعرض الإحصاءات الرسمية، فباستخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي يمكن تقديم البيانات الإحصائية بطريقة تفاعلية وسهلة الاستخدام، كما تتيح تقنيات التصور البياني المتطورة إمكانية توضيح البيانات والنتائج بشكل أكثر وضوحًا وفاعلية، وبالإضافة إلى ذلك يمكن تطوير تقنيات معالجة اللغة الطبيعية لتفسير الإحصاءات بلغة سهلة وبسيطة للمستخدمين.
كذلك يمكن للذكاء الاصطناعي مساعدة صناع القرار في التخطيط والتنبؤ بالاتجاهات المستقبلية وذلك بناءً على تحليل البيانات التاريخية المسجلة لديه. وعلى الرغم من الفوائد الكبيرة للذكاء الاصطناعي في تطوير الإحصاءات الرسمية.
ثانياً: هناك بعض التحديات والمخاوف من استخدامه، والتي من أهمها:
-
الخصوصية والأمن: هناك العديد من المخاوف بشأن حماية البيانات الشخصية والحفاظ على خصوصية المواطنين، لذلك يجب عند استخدام الذكاء الاصطناعي ضمان حماية البيانات الشخصية ضمانات أمنية قوية لمنع الاختراقات والاستخدام غير المصرح به للبيانات.
-
أيضاً هناك الحاجة الدائمة إلى عمليات تنظيف وتحضير البيانات مسبقًا لضمان جودتها، حيث تُشكل تحديات الحصول على بيانات كاملة ودقيقة جزء هاماً عند تطبيق نماذج الذكاء الاصطناعي.
-
توفير الكوادر البشرية.
ثالثاً: متطلبات المرحلة الجديدة في تطوير جودة الإحصاءات الرسمية من خلال تطبيق التقنيات الحديثة، من بينها:
-
الشفافية والمساءلة: يجب أن تكون عمليات الذكاء الاصطناعي واضحة وقابلة للتفسير، مع وجود مساءلة واضحة عن القرارات والنتائج التي تنتج عنها.
-
عدم التحيّز والانحياز: يجب التأكد من أن البيانات والنماذج المستخدمة في الذكاء الاصطناعي خالية من أي تحيزات أو انحيازات قد تؤثر على النتائج، فيجب تطوير آليات لاكتشاف والتخفيف من هذه التحيزات.
وبالتالي هناك الحاجة إلى وضع قواعد وتشريعات تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي في الإحصاءات الرسمية، لضمان التوافق مع المعايير والأطر القانونية القائمة، وإن معالجة هذه التحديات بشكل فعال سيكون ضرورياً في تحقيق الاستفادة الكاملة من إمكانات الذكاء الاصطناعي على تحسين الإحصاءات الرسمية.
ولتحقيق تكامل فعال بين الذكاء الاصطناعي والإحصاءات الرسمية، يمكن التعبير عن العناصر الرئيسية كما يلي:
|
الذكاء الاصطناعي
|
الإحصاءات الرسمية
|
|
تقنيات متقدمة
|
بيانــــــــات موثوقـــة
|
|
|
معالجة سريعة
|
التحليل الدقيق
|
|
أتمتة العمليات
|
صنع القرار الفعال
|
|
|
|
|
|
|
الذكاء الاصطناعي
|
الإحصاءات الرسمية
|
|
يتيح معالجة سريعة للبيانات بفضل قوته الحسابية العالية، حيث يستخدم التقنيات المتقدمة في أتمتة العمليات كالتصنيف وتحليل بيانات ضخمة ومعقدة والتنبؤ بنتائج دقيقة.
|
تسعى لتحقيق تحليل دقيق وموضوعي للبيانات لفهم الظواهر والاتجاهات بشكل صحيح، فهي تعتمد على البيانات الموثوقة والمجمعة بطرق منهجية ومنتظمة، فهي تساعد صانعي السياسات ومتخذي القرارت في بناء تحليلات مدروسة وموضوعية.
|
ومن الجدول السابق يتضح كيف يمكن لكل من الذكاء الاصطناعي والإحصاءات الرسمية أن يعملوا سوياً لتحقيق نتائج أفضل وتحليلات دقيقة، مما يدعم اتخاذ قرارات مستنيرة وفعالة في مختلف المجالات.
-
من هنا أدركت الدولة المصرية أهمية تطبيق الذكاء الاصطناعي في العديد من المجالات ووضعت ذلك من خلال رؤيتها الاستراتيجية، حيث قامت الحكومة المصرية بإنشاء «المجلس الوطني للذكاء الاصطناعي» في نوفمبر 2019، والمختص بوضع اللوائح الخاصة بهذا القطاع والمساهمة في وضع التشريعات المناسبة، وترتكز الرؤية المصرية على ترسيخ مجتمع رقمي مبني على التحول الرقمي وعلى تنمية المهارات والقدرات الرقمية، بالإضافة إلى تحفيز الإبداع والعمل الأخلاقي الرقمي، والذي يعتمد على تطوير البنية التحتية الرقمية.
-
كذلك أطلقت مصر الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي في يوليو 2021، بهدف استخدام هذه التكنولوجيا في دعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتشير المؤشرات العالمية بتقدم مصر 7 مراكز عالمياً في عام 2023 في المؤتمر العالمي للذكاء الاصطناعي الصادر عن شركة (تورتواز ميديا) المتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي، كذلك تقدمت مصر 17 مركزاً في المؤشر الخاص بالمهارات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في عام 2023، كما تمتلك مصر حوالي 246 شركة متخصصة تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي حتى عام 2022.
ومن هنا كان لأبد من أن نتعرف على كيف يُمكن أن يُسهم الجهاز الإحصائي المصري على تعزيز تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين وتطوير جودة الإحصاءات الرسمية.
رابعاً: دور جهاز الإحصاء المصري المستقبلي في تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي:
يلعب جهاز الإحصاء المصري دوراً حيوياً في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال توفير البيانات والمعلومات الضرورية التي يتم تحليلها ومعالجتها من قبل أنظمة الذكاء الاصطناعي. وفيما يلي بعض الأمور التي يقوم بها جهاز الإحصاء في هذا السياق:
-
جمع البيانات: يقوم جهاز الإحصاء بجمع البيانات من مصادر متعددة ومختلفة، مثل: التعدادات، الاستبيانات، والسجلات الإدارية، وقواعد البيانات الحكومية، والمزيد من هذه البيانات يمكن أن تكون أساسية لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، فمن خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، وأجهزة الاستشعار عن بُعد، والتطبيقات الرقمية في جمع البيانات الإحصائية تساهم في تحسين كفاءة ودقة هذه العمليات.
وإليك بعض الطرق التي يُمكن أن يُستخدم فيها الذكاء الاصطناعي في التعدادات السكانية وذلك من خلال:
-
يُمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي من خلال استخدام الصور والفيديوهات في تحليل الصور المأخوذة من الكاميرات في تحديد عدد السكان في مناطق صعبة الوصول إليها.
-
يُمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات النصية ومعالجة اللغة الطبيعية لتحليل البيانات المكتوبة يدوياً، مثل الاستبيانات المعبأة يدوياً، لتحويل هذه البيانات إلى بيانات رقمية قابلة للتحليل بسرعة ودقة أكبر.
-
يُمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير نماذج التوقعات والتنبؤات التي تم جمعها في التعدادات السكانية السابقة، مما يساعد في توقع الاتجاهات المستقبلية للنمو السكاني واحتياجات المجتمع.
-
يُمكن للذكاء الاصطناعي مساعدة الجهات المعنية في تحسين عمليات تحديد وتصنيف المتغيرات السكانية، مما يؤدي إلى دقة أعلى في تقارير التعداد.
-
يُمكن تحسين دقة وتحديث الخرائط السكانية لتوفير توزيع دقيق للسكان والمناطق السكنية.
ومن هنا يمكن القول بإن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي عند إجراء التعدادات السكانية، يُمكنها من تحسين جودة البيانات المجمعة وتسريع عمليات التحليل وتوفير رؤى استراتيجية تساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
-
تنظيف البيانات: يتم في هذه الخطوة التأكد من دقة البيانات وإزالة الأخطاء والتناقضات التي قد تؤثر سلباً على نتائج التحليل.
-
تحليل البيانات: بعد تنظيف البيانات، يمكن استخدام أساليب الإحصاء التقليدية لتحليل البيانات التي تم جمعها والتعرف على اتجاهاتها وتحديد العلاقات بين المتغيرات وتفسير الظواهر المختلفة.
وبناءً على البيانات والتحليلات الإحصائية، يمكن استخدام هذه المعلومات كمدخل لتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي، تتمثل هذه النماذج في أنظمة تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي التي تستخدم لتنبؤ الاتجاهات المستقبلية أو تحليل المخاطر، والعديد من التطبيقات الأخرى.
-
دعم اتخاذ القرارات: تقوم نتائج تحليل البيانات التي تم جمعها وتنظيفها بدورها الهام في دعم اتخاذ القرارات، فيمكن للإحصاءات أن توفر رؤى مهمة حول الأنماط السلوكية والاحتياجات الاجتماعية التي يمكن أن تدعم اتخاذ القرارات الحكومية أو الإدارية.
الخلاصة:
إن تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال الإحصاءات الرسمية له إمكانات كبيرة لتحسين كفاءة عمليات جمع البيانات وتحليلها وعرض النتائج بطرق أكثر فعالية. ومع ذلك، يجب معالجة التحديات الأخلاقية المرتبطة بهذه التقنيات بعناية لضمان استخدامها بطريقة مسؤولة وشفافة لصالح المجتمع ككل.
المراجع:
-
آلان بونيه: الذكاء الاصطناعي: واقعة ومستقبله، ترجمة: د. علي صبري فرغلي (الكويت: دار الفاروق للنشر، 1993).
-
جامعة الدول العربية: كوفيد19 وضرورة التحول إلى الاقتصاد الرقمي2020 (أبو ظبي: الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي، 2021).
-
لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب أسيا (الإسكوا): تطوير استراتيجية للذكاء الاصطناعي-دليل وطني (بيروت: منظمة الإسكوا، 2020).
-
مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار مجلس الوزراء والمتاح على الموقع الإلكتروني: https://www.cabinet.gov.eg/News/Details/67601
-
معهد التخطيط القومي: الاقتصاد الرقمي والتنمية المستدامة، (القاهرة: معهد التخطيط القومي، 2021).
-
فهد آل قاسم: مدخل إلى علم الذكاء الاصطناعي (القاهـرة: مكتبة نور الرقمية، 2000).