مِن التعليم إلى سوق العمل ... ملامح مِن حياة الشباب المصري
تُثبت الإحصاءات بِما لا يدع مجالا للشك في أن الشباب اليوم هُم أكثر تعليمًا مِن آبائهم، وأن الوصول إلى التعليم، وبالأخص المراحل التعليمية العُليا أصبح أمرًا أيسر مِن ذي قبل، غير أن قرابة سُدُس الشباب (15-29 عامًا) عاطلون عن العمل (15.7%). ولعلَّ هذا المُعدَّل أعلى مِن المتوسط العالمي، والذي يبلغ وفقًا لتقديرات منظمة العمل الدولية نحو (12.4%) للشباب في الفئة العمرية (25-24 عامًا) في عام 2012، وأقل مِن نظيره على مستوى منطقة الشرق الأوسط والذي بلغ نحو (28.3%) لذات الفئة العمرية والعام. وتوضح النتائج أن نحو (44.5%) مِن الشباب العاطل عن العمل في مصر قد أكملوا التعليم العالي (أي الجامعي وما يعادله).
وبالتحول صوب التطور النوعي في مُعدَّل البطالة، يتضح أن مُعدَّل البطالة بين الشابات (38.1%) يفوق خمسة أضعاف نظيره بين الشباب (6.8%). وتُمَثِل الشابات الحاصلات على التعليم العالي نحو (40.3%) مِن إجمالي الشابات المُتعطلات، في حين يُمَثِل الشُبان الحاصلون على التعليم العالي نحو (54.6%) مِن إجمالي الشبان المتعطلين.
لعلَّ مُعدَّل البطالة مِن المؤشرات الهامة للغاية في سوق العمل، غير أنه ليس المؤشر الأوحد ذو الأهمية في صدد تصميم السياسات الداعمة لسوق العمل المصري، فمعدَّل المشاركة في سوق العمل هو كذلك أحد المؤشرات الكاشفة لمدى مساهمة فئةٍ ما أو فصيل بعينه في سوق العمل سواءً بأن يكون مُنخرط في صورة مُشتغل أو في صورة باحث عن عمل. ويأتي مُعدَّل المشاركة في سوق العمل بين الشباب في مصر نحو (54.1%)، والذي يبلغ أدناه لدى الشابات (31.3%)، وأعلاه لدى الشبان (75.8%)، ليبرهن على ضعف مشاركة الشابات في الانخراط في سوق العمل. وتَظهَر النسبة الأعظم مِن بين الشبان غير النشطين بمعنى غير المشاركين في سوق العمل لدى الحاصلين على التعليم الفني المهني (43.8% مِن إجمالي الشبان غير النشطين)، كذل الحال لدى الشابات الحاصلات على التعليم الفني المهني (36.5% مِن إجمالي الشابات غير النشطات).
وفي طيات تلك الفترة الانتقالية مِن التعليم إلى سوق العمل، كانت أحد الإحصاءات الهامة التي تم استقائها مِن الشباب المُشارك في المسح هو عن الأهداف الأساسية للشباب في الحياة. وكان مِن أهم النتائج أن (23.0%) مِن الشبان المشتغلون هدفهم وجود حياة عائلية جيدة، بينما نحو (86.6%) مِن الشباب العاطلون يتمثل هدفهم الأول في إيجاد فرصة عمل. وعلى الجانب الآخر، فنحو (49.5%) مِن الشابات المشتغلات يتمثل هدفهن الأول في حياة عائلية جيدة، في حين أن (83.1%) مِن الشابات المتعطلات هدفهن الأول يتمثل في إيجاد فرصة عمل.
وبالتحول صوب توزيع الشباب المُشتغلون وفقًا لطبيعة التشغيل، فتوضح الإحصاءات أن (75.6%) مِن الشبان المشتغلون ونحو (67.7%) مِن الشابات المشتغلات يعملن بوظيفة براتب أو أجر، في حين أن (2.9%) مِن الشبان المشتغلون هو صاحب عمل ونحو (7.4%) يعمل لحسابه الخاص، مُقابل (1.2%) مِن الشابات المشتغلات هُنَّ صاحبات أعمال ونحو (2.1%) يعملن لحسابهن الخاص.
وباستعراض التوزيع القطاعي، يتضح أن قرابة نصف الشبان المشتغلون متواجدون في القطاع الخدمي، وثُلُث الشباب المشتغلون في القطاع الصناعي. في حين أن ما يزيد عن نصف الشابات المشتغلات هنَّ في القطاع الخدمي، وثُلُث الشابات المشتغلات في القطاع الزراعي.
إن ما تم تقديمه في هذه المقالة هو نظرة مُختصرة جدًا على واقع عملية انتقال الشباب مِن التعليم لسوق العمل، إذ أن هذه العملية بها الكثير مِن الأبعاد والمُحددات التي توجب على الدارسين والمُختصين بهذا المجال دراستها وتتبعها وفقًا للإحصاءات والأدلة المعلوماتية.
ملاحظة: المقال يعتمد على نتائج مسح الانتقال مِن المدرسة إلى العمل الذي نفذته منظمة العمل الدولية بالتعاون مع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في عام 2012، واستهدف المسح فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15-29 عامًا.
د. محمد رمضان
مستشار رئيس الجهاز للبحث والتطوير