الأشخاص ذوي الإعاقة هم الأكثر عرضة لمخاطر تغير المناخ
عادةً ما يكون الأشخاص ذوي الإعاقة هم الأكثر عرضة للتأثر سلبًا بأي شكل من أشكال الطوارئ سواء كانت حالة طوارئ مفاجئة مثل الفيضانات والأعاصير، أو حالة طوارئ تدريجية مثل ارتفاع منسوب مياه البحر، ونقص الوصول إلى موارد الطبيعة والطوارئ والصعوبات المفروضة عليهم في التنقل المحدود، فضلا عن الأشخاص ذوي الإعاقة يشكِّلون أكبر أقليةٍ في العالم، وينحدرون من جميع البلاد والخلفيات الاقتصادية والأعراق، ما يمكن معه القول بأنهم الأكثر تنوعاً من بين جميع الأقليات! وهم بطبيعتهم أكثر عرضة للخطر بسبب تغير المناخ عن غيرهم، إذا تسجل صفوفهم معدلات اعتلال ووفيات أكثر بكثير من الفئات الأخرى وهم في الوقت نفسه من أقل الفئات قدرة على الحصول على الدعم في حالات الطوارئ، ومن شأن الكوارث المفاجئة والأحداث البطيئة الحدوث أن تؤثر بشدة على إمكانية حصول الأشخاص ذوي الإعاقة على الغذاء ومياه الشرب وخدمات الإصحاح وخدمات الرعاية الصحية والأدوية والتعليم والتدريب والعمل اللائق والسكن اللائق.
وتؤكد اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة2020 على أن للجميع الحق في التمتع بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية على قدم المساواة مع غيرهم. وتتيح هذه الاتفاقية إطاراً توجيهياً للإجراءات ذات الصلة بتغير المناخ والقدرة علي الصمود في وجهه، حيث يمثل الأشخاص ذوي الإعاقة قرابة بليون شخص في جميع أنحاء العالم(تقرير مفوضية الأمم المتحدة لتغير المناخ ،2020) وهم يتألفون من مجموعة متنوعة من الأشخاص الذين يعانون من ظروف فردية مختلفة وتتباين احتياجاتهم ومشكلاتهم وأيضاَ قدراتهم وإرادتهم فهم يواجهون أفكار مجتمعية مريضة وسلوكيات صادمة بالإضافة الي الحواجز البيئية الطبيعة التي تعوق إمكانية وصولهم لحقوقهم الأساسية واحتياجاتهم الخاصة وليس فحسب مشاركتهم في المجتمع مشاركة فاعلة وكاملة علي قدم المساواة مع الآخرين وتقليل الفاقد الاجتماعي في التنمية .
وتبين من خلال جميع الشواهد والدراسات العلمية في الآونة الأخير وعلى رأسها دراسات المفوضية السامية لحقوق الأنسان إن الأشخاص ذوي الإعاقة هم الأكثر عرضة لأثار تغير المناخ السلبية حيث انهم يعانون في الأوضاع العادية دون حدوث أي نوع من التغيرات البيئية والكوارث الطبيعية، حيث تنص الاتفاقية فيما يتعلق بالإتاحة وإزالة الحواجز البيئية بضرورة توفير التجهيزات والإجراءات الازمة للوصول الي بيئة دامجة و موائمة فيزيقيا ومجتمعياً ومعلوماتيا ومادياً بالإضافة الي توفير المعدات والأدوات والوسائل المساعدة الازمة لضمان ممارستهم لحقوقهم وحرياتهم علي قدم المساوة مع الأخرين ، وفي الواقع نجد انه علي مدار العقود الطويلة ظل الوعي بحقوق ذوي الإعاقة وضرورة توفير أكواد ومباني وأرصفة تسهل استخدامهم وتقنيات في وسائل النقل العام وإشارات المرور والمنحدرات لتسهيل الوصول لمستخدمي المقاعد المتحركة منقوصاً وشبه غائب تماماً. والبيئة المحيطة في الأمور الطبيعية تقف حائط صد أمام التمتع بقوانين وقرارات بالغة الإنصاف... فما بالك!! بأوضاعهم وظروفهم المعيشية في حدوث الفيضانات والأعاصير والحرائق وغيرها من الظواهر والتغيرات المناخية الحادة.
بالإضافة الي عدم توافر الأطراف الصناعية والأجهزة التعويضية والمشكلات الخاصة بالتصنع والتأهيل على استخدامها والاحتكار لسوق انتاجها وعدم الالتزام بالدقة والمواصفات الطبية المطلوبة حسب نوع كل اداه لتجنب مضاعفات الاستخدام وتأثير درجات الحرارة والرطوبة على الجهاز أو الطرف الصناعي وعلى المستخدم طبقاُ لنوع اعاقته، وهذا الحال لا يصف الوضع في مصر فقط بلا هو الوضع الغالب في الكثير من الدول النامية.
وتزيد الأثار الضارة لتغيير المناخ من تفاقم الحواجز البيئية والمؤسسية التي يعاني منها ذوي الإعاقة بشكل عام وفي ظل الازمات والطواري البيئية بشكل خاص حيث تؤدي الي تعطيل توافر الخدمات وإمكانية الحصول عليها وبالتحديد في المناطق النائية والريفية ويصبحون أكثر عرضة للوفاة والاصابة بإعاقات إضافية حيث يعتمد العديد من ذوي الإعاقة علي الوسائل والأجهزة المساعدة والتي تعزز وظائفهم البدنية بوسائل تمكنهم من النظر والسمع أو التنقل بدون مساعدة من الاخرين وكثيراً ما تفقد أو تتلف خلال الكوارث والأزمات البيئية مما يجعلهم يجتاحون لمساعدة شخصية في التحرك والانتقال من مكان لأخر أو لأجهزة بديلة عن التي فقدوها ولا تكون هذه الأجهزة عادة من ضمن ما يتم توزيعه كمواد للإغاثة وإن وزعت فإنها قد لا تلبي احتياجاتهم أو لا تقوم بنفس مهام الأجهزة المفقودة .
وهم من أكثر الفئات الغير قادرة على الهجرة فقد يضطرون الي البقاء في أماكن معرضة لأضرار ناتجة عن التغيرات المناخية، أما الذين ينتقلون أو يهاجرون داخلياً أو عبر الحدود فقد يحتاجون الي حماية دولية لحقوق الانسان أو للاجئين ويكونوا أكثر عرضة لخطر التخلي عنهم في بيئة متدهورة بدون شبكات اجتماعية تقدم لهم الدعم والمساعدة علي التنقل عندما يفقدون ذويهم بسبب الآثار المناخية.
ونتيجة لظروفهم الخاصة لا يتمتعون بالإتاحة المعلوماتية الكافية للحماية الاجتماعية والتحذيرات المتعلقة بحالات الطواري، بسبب استبعادهم بشكل عام من وضع سياسات وخطط وبرامج الحد من مخاطر الكوارث البيئية.
مصر وتغير المناخ .... والفئات الأكثر تعرض للخطر
مصر من أكثر الدول المعرضة للمخاطر الناتجة عن تأثيرات التغيرات المناخية، على الرغم من أنها من أقل دول العالم إسهاما في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عالميا، بنسبة 0.6% من أجمالي انبعاثات العالم(www.eeaa.gov.eg)، طبقا للبيانات الواردة بالإبلاغ الأخير لمصر حول حجم انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، والذي تم في إطار قيام مصر تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ التى وقعت عليها مصر عام 1994، وكذلك بروتوكول كيوتو2005.
ومن المرجح أن تتسبب الضغوط البيئية الحالية والمستقبلية في تنامي معدلات الهجرة الداخلية (النزوح السكاني) من البيئات الريفية والساحلية إلى البيئات الحضرية، أو من البيئات الريفية المتدهورة إلى تلك التي لا تزال قادرة على الحفاظ على النمو الزراعي، ومن المحتمل أيضاً زيادة التدفقات من المهاجرين البيئيين إلى مصر مما يزيد العبء عليها.
واتخذت مصر العديد من السياسات والإجراءات لمواجهة تحدي التغيرات المناخية، والتكيف مع تداعياتها، وذلك انطلاقًا من كونها تهديدات تنموية واقتصادية أكثر منها مجرد تهديدات بيئية. على المستوى المؤسسي: تم إنشاء "المجلس الوطني للتغيرات المناخية "كجهة وطنية رئيسية معنية بقضية التغيرات المناخية، وتعمل على رسم وصياغة وتحديث الاستراتيجيات والسياسات والخطط العامة للدولة فيما يخص التكيف مع هذه التغيرات، وذلك في ضوء الاتفاقيات الدولية، والمصالح الوطنية.
وعلى مستوى السياسات : وضعت الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية2050حيث تهدف الإستراتيجية الوطنية لتغير المناخ إلى تحقيق النمو الاقتصادي المستدام منخفض الانبعاثات في مختلف القطاعات، بجانب بناء المرونة والقدرة على التكيف مع التغيرات المناخية وتخفيف آثارها السلبية، وتحسين البنية التحتية، وتضع رفاهية المواطن المصري كأولوية حيث ان رؤية الاستراتيجية التصدي وبفاعلية لأثار وتداعيات تغير المناخ بما يساهم في تحسين جودة حياة المواطن المصري وتحقيق التنمية المستدامة ، ولم تغفل الاستراتيجية الفئات الأكثر تعرض للخطر في ضوء توجيهات تحقيق أهداف الاستراتيجية (الهدف الرئيسي2 بناء المرونة والقدرة على التكيف مع تغير المناخ وتخفيف الآثار السلبية المرتبطة بتغير المناخ) من أهدافه الفرعية (حماية المواطنين من الآثار السلبية لتغير المناخ )ومن توجيهات تحقيق الهدف توعية المواطنين بالمخاطر الصحية وتعزيز اعتبارات الاستجابة للمساعدة و تطوير برامج الدعم للفئات المتأثرة وبالتحديد للمرأة والطفل وكبار السن و ذوي الإعاقة.
وهنا نجد التحدي الأكبر الذي يجب أن تشمله السياسات المصرية التدفقات المتوقعة للاجئين البيئيين إلى مصر (وضع مصر كدولة مستضيفة للمهاجر البيئي) وضرورة الاستعداد بخطط تشمل تغطية الحقوق الإنسانية للاجئ البيئي وخاصة الفئات الضعيفة الأكثر عرضة للخطر وليست فقط المواطنين.
يمكن القول إن مصر تبذل جهودا ضخمة لمواجهة التحديات المرتبطة بتداعيات التغير المناخي، لكن تظل هناك حاجة لعدد من الإجراءات المُكملة، خاصة على مستوى البحث العلمي، ورفع كفاء البنية التحتية وتنمية الوعي المجتمعي بالمخاطر الناتجة عن التغيرات المناخية، وتفعيل دور المجتمع المدني كشريك أساسي ليست فقط بالقيام بالمبادرات البيئية، ولكن كشريك فعال في وضع سياسات الوقاية والحماية لمواجهة هذه التداعيات.